أهل السنة والجماعة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهل السنة والجماعة

موقع أهل السنة والجماعة ومذاهبهم الفقهية والعقائدية والرد على من خالفهم

  نرحب بكم بمنتدى أهل السنة والجماعة ، نرجو منكم الإنضمام إلى هذا المنتدى المبارك ، هدفنا من هذا المنتدى النصيحة لأنفسنا ولغيرنا ولسائر المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة ، الدين النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم .

    (( الحججُ الواضحات )) للعلامة السيد إسحاق عزوز الحسني المكي رحمه الله تعالى (1) ( منقول )

    avatar
    حجة الحق


    عدد المساهمات : 51
    تاريخ التسجيل : 17/01/2010

    (( الحججُ الواضحات )) للعلامة السيد إسحاق عزوز الحسني المكي رحمه الله تعالى (1) ( منقول ) Empty (( الحججُ الواضحات )) للعلامة السيد إسحاق عزوز الحسني المكي رحمه الله تعالى (1) ( منقول )

    مُساهمة  حجة الحق الأحد يناير 17, 2010 12:53 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقدمة

    الحمد لله الذي أوجد نبيّه محمدًا  من خالص خلاصة ولد عدنان من أطهرِ البشريّة وأطيب الأنساب، وأنفس جواهر النُّطَف الناشئة بين الأمهات والآباء، لم يزل ينقله من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة مصفًى مهذبًا لا تتشعب شعبتان إلاَّ كان في خيرهما إلى أن أخرجه إلى الدنيا، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، ورحمة للعالمين.
    برز من أبوين من أشرف الأصول وأكرمها وأمجدها فاقا به على سائر الآباء والأمهات.
    صلى الله عليه صلاةً وسلامًا دائمين لا ينقطعان أبد الأبد.
    هذا وقد زلّت قدم بعض الناس فنسبا أبويه إلى الشرك. والحذَر الحذَر من ذكرهما بنقص فإنَّ ذلك يؤذيه  لحديث الطبراني (( لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات )).
    قال القاضي ابن العربي المالكي : (( ولا أذى أعظم له  من أن يقال أن أبويه في النار )). والله سبحانه وتعالى يقول : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ } [الأحزاب : 57]. اهـ.
    وهذه نفحة في الدفاع عن أبويه ، وعن آبائه وأجداده عمومًا رتبتها في مسالك، وكلما أوردت أحاديث في الباب بدأتها بالصحيح منها، وما كان خلاف ذلك أوردته شواهد لها. وبتوارد الأحاديث على معنى واحد يشدُّ بعضها بعضًا. والحديث الضعيف يقوى بكثرة طرقه ما لم يكن فيها كذاب أو وضاع.
    أسأله تعالى أن يجعلها قرّةَ عينٍ للمصطفى ، وأن يكتب لها القبول، وأن ينفع بها المسلمين، إنه خيرُ مأمول وأكرمُ مسؤول.
    *********

    المسلك الأول من القرآن الكريم
    الأصلاب والبطون التي حملته 
    هم المقصودون بالأمة المسلمة في دعوة إبراهيم عليه السلام

    1 - قال تعالى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ } [البقرة : 127 - 128].
    2 - وحكى الله تعالى من دعاء إبراهيم عليه السلام قوله { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } [البقرة : 129].
    3 - وحكى الله تعالى من دعاء إبراهيم عليه السلام أيضًا : { رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم : 35].
    4 - وحكى الله تعالى من دعاء إبراهيم عليه السلام : { اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [إبراهيم : 40].
    يدل قوله تعالى : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ } [البقرة : 128].
    على أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد دعا ربه أن يجعل من ذريته من ولده إسماعيل عليه السلام أمة مسلمة إذا كان المقام هو الدعاء لنفسه ولإسماعيل عليهما السلام على ما رفعا من قواعدِ البيت فتعقيبه على ذلك بقوله : { وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } [البقرة : 129]. يوضّح أنّ المراد هم ذريّة إسماعيل دون سواه من ولد إبراهيم، كم يوضّح أنّه قد دعا بأن يبعث الرسول من هذه الأمة المسلمة.
    ولا يتصوّر بعثته من الأمة المسلمة من ولد إسماعيل إلّا إذا كان دين إبراهيم سيمتدفي القرون التي بينه وبين بعثة نبينا محمد ، وأن الزمان لا يخلو من قوم مسلمين منهم إلى البعثة المحمدية يدينون بملة إبراهيم عليه السلام في التوحيد الخالص ولا يعبدون الأصنام.
    وقد أخرج ابن المنذر في « تفسيره » بسند صحيح عن ابن جرير في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام { اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [إبراهيم : 40]. قال : لا يزال من ذرية إبراهيم عليه السلام ناسٌ على الفطرة يعبدون الله.
    وحيث وُجِدَ في ذرّيّة إسماعيل عليه السلام من عبد الأصنام، فواضحٌ أنّ إبراهيم قد خصّ بدعائه أمةً من ذريّته تبقى فيهم ملته ولا تندرس على تطاول القرون إلى أن يبعث الله رسوله محمدًا  منهم.
    ولما لم يكن ممكنًا بعثته من جميع أعراق ذريته كان أولاهم باحتسابه منهم هم آباؤه وأجداده وأمهاته فيكون منهم نسبًا قريبًا وملة...
    قال السيوطي في « الحاوي » : (( كل ما ذكر عن ذرية إبراهيم عليه السلام فإن أولى الناس به سِلْسِلَة الأجداد الشريفة الذين خُصُّوا بالاصطفاء وانتقل إليهم نور النبوة واحدًا بعد واد فهم أولى بأن يكونوا هم البعض المشار إليه في قوله : { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [إبراهيم : 40]، ولما وضح أن المخصوص بالدعاء هم آباؤه وأجداده  دون عموم الذرية.. قال سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ لما سُئِلَ : هل عَبَدَ أحدٌ من ولد إسماعيل الأصنام ؟ قال : لا ألم تسمع قوله تعالى { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم : 35]. كما رواه ابن أبي حاتم.
    وكذلك أخرج ابن جرير في تفسيره عن مجاهد أنه قال : (( استجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده فلم يعبد أحدا من ولده صنمًا بعد دعوته )).
    ولا ينطبق هذا إلاّ على من خص بدعائه أن تبقى فيهم ملته ولا تندرس من آبائه وأجداده ، ومن نذر قليل خصّهم الله بعنايته ممّن لم يبدلوا ولم يحرفوا، وكأنَّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام بما أراه الله من ملكوت السموات والأرض شاهدَ ذلك النورَ المحمديَّ في البطون والأصلاب فئات من صلبه طلب لهم الإسلام والانقياد الذي طلبه لنفسه إلى أن يظهر ذلك النور الإلهي الذي أراه الله إياه في البطون والأصلاب ليظهر ذلك الرسول على ما تقتضيه حكمته تعالى، وقصده الخاص من جعله سببًا لمعرفته وشهوده بخلق جسمه الطاهر من أطهر الأعراف البشريّة، وأطيب الأنساب وأنفس جواهر النطف الناشئة بين الآباء والأمهات، فيحيي الله به ملة إبراهيم في توحيده وشعائره مما أصابهم من التحريف، وتبقى إلى يوم القيامة كما قال تعالى { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [الزخرف : 28]. إلى أن قال : { حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ } [الزخرف : 29].
    روى عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [الزخرف : 28]. قال : شهادة أن لا إله إلاّ الله، والتوحيد لا يزال في ذريته من يقولها بده.
    ونقل عبد الرزاق في « تفسيره » عن ابن معين عن قتادة في الآية قال : (( الإخلاص والتوحيد لا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده )).
    وأخرج ابن المنذر، قال ابن جريج : (( الآية في عقب إبراهيم لم يزل في ذريته من يوحد الله ويعبده بقوله : لا إله إلاّ الله )).
    قال ابن المنذر وقول آخر : (( فلم يزل ناس من ذريته على الفطرة يعبدون الله حتى تقوم السّاعة )).
    وهكذا اختار الله لنبيّه آباءه وأمهّاته من طاهر إلى طيب، ومن طيّب إلى طاهر، إلى أن أوصله الله إلى صلب عبد الله بن عبد المطّلب، ومنه إلى رحم أمه آمنة، فأخرجه إلى الدّنيا وجعله سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ورحمةً للعالمين.
    وهل يعقل أن يقرَّ الله الرّوح الطّاهر الطيّب بأصلاب المشركين وأرحام المشركات ويجعلها أصله في التّكوين والتّصوير وهو القائل { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } ]التوبة : 26[. والقائل أيضًا : { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } ]النور : 26[.
    وإذا كان تخصيص هؤلاء بهؤلاء واردًا للمناسبة في التّزاوج بين الفريقين، فأولى أن تكون المناسبة بين النّطف التي تتكوّن في الأصلاب وتستقر في الأرحام، فلا يتولّد الطيّب الطّاهر من مشركين نجسين، وصدق الله العظيم : { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } ]النور : 26[.
    *********

    المسلك الثاني
    طهارة نسبه  في الأحاديث
    1 - روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله  : (( بُعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا حتّى كنت في القرن الّذي كنت فيه )).
    2 - وأخرج مسلم والترمذي وصححه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله  : (( إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كِنَانَةَ قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم )).
    قال ابن تيمية : قضية الخبر أن إسماعيل وذرّيته صفوة ولد إبراهيم.
    3 - وفي « ذخائر العقبى » للمحب الطّبري من حديث واثلة بلفظه : (( إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتّخذه خليلاً، واصطفى من إبراهيم إسماعيل، واصطفى من مُضَرَ كِنَانَةَ وقريشًا، ثم اصطفى من بني هاشم بني عبد المطّلب، ثم اصطفاني من بني عبد المطّلب )).
    4 – روى التّرمذي وحسّنه عن العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه قال : قال رسول الله  : (( إنَّ الله خَلَقَ الخلقَ فجعلني في خير فرقهم، ثم تخيَّر القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم تخيَّر البيوت فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرُهم نفسًا وخيرهم بيتًا )).
    5 – أخرج البيهقي في « دلائل النّبوّة » عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله  : ((أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهرْ بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خُزيمَة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
    وما افترق النّاس فرقتين إلاَّ جعلني الله في خيرهما فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عُهر الجاهليّة، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتّى انتهيت إلى أبي وأمّي فأنا خيركم نسبًا وخيركم أبًا )).
    6 - وأخرج أبو نعيم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه  قال : ((لم يلتقِ أبواي قطُّ على سفاح، ولم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطّاهرة مصفًّى مهذّبًا لا تتشعّب شعبتان إلاَّ كنت في خيرهما )).
    7 - وروى الطبراني عن ابن عمر أنّه  قال : (( إنَّ الله تعالى اختار خلقه، واختار منهم بني آدم، ثم اختار منهم العرب، فاختار منهم قريشًا، فاختار منهم بني هاشم، ثم اختار بن هاشم، فاختارني، فلم أزل خيارًا من خيار. ألا من أحب العرب فبحبي أحبّهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم )).
    8 - وروى الطبراني وأبو نعيم عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي ، عن جبريل عليه السّلام، قال : (( قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد، ولم أر بني أب أفضل من بني هاشم )).
    قال ابن حجر : (( لوائح الصّحة ظاهرة على صفحات هذا المتن )).
    يريد - والله أعلم - أن الأحاديث الكثيرة تؤيّده في أفضليّته ، وفي أفضليّة بني هاشم على سائر القبائل.
    9 - وأخرج ابن مردويه : (( قرأ رسول الله  : { لقد جاءكم.. أنفسكم } ]التوبة : 128[. ثم قال : أنا أنفسكم نسبًا وصهرًا وحسبًا ليس في آبائي من لدن آدم سفاح كلّنا نكاح )).
    10 – وقال السيوطي : أورد المحب الطّبري في « ذخائر العقبى » والبزّار في « مسنده » عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دخل ناس من قريش على صفية بنت عبد المطلب فجعلوا يتفاخرون ويذكرون الجاهلية، فقالت صفية بنت عبد المطّلب : منا رسول الله . فقالوا : تنبت النخلة أو الشجرة في الأرض الكساد فذكرت ذلك صفيَّة لرسول الله  فغضب فقام على المنبر، فقال : ((يا أيها الناس : من أنا ؟ )) قالوا : أنت رسول الله. قال : ((أنسبوني)) قالوا : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. قال : ((فما بال أقوام ينزلون أَصْلِي، فوالله إني لأفضلهم أصلاً وخيرهم موضعًا)).
    11 - وأخرج الحاكم عن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه قال : بلغ النبيَّ  أن أقوامًا نالوا منه، فقالوا : إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت من كناس، فغضب رسول الله  فقال : ((إنَّ الله خلق خلقه فجعلهم فرقتين : فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلاً، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني من خيرهم بيتًا، ثم قال : أنا خيركم قبيلاً وخيركم بيتًا )).
    12 - وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن ابن جريج قال : ((ليس آزر أبا إبراهيم، وإنّما هو إبراهيم بن تيرخ، أو تاريخ بن شاروخ بن فاخور بن فالخ. قال : والعرب تطلق لفظ الأب على العم إطلاقًا شائعًا كما قال تعالى : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } ]البقرة : 133[.
    13 - وأخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : (( إنّ أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر وإنّما اسمه تارخ )).
    14 - وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر بأسانيد من طرق بعضها صحيح عن مجاهد قال : (( ليس آزر أبا إبراهيم )).
    قال السّيوطي : ( اعلم أنّ الأحاديث يصرح أكثرها لفظًا وكلها معنًى أن آباء النبي  وأمهاته آدم وحواء مطهّرون من دنس الشِّرك والكفر، ليس فيهم كافر؛ لأنه لا يقال في حق الكافر أنّه مختار ولا طاهر ولا مصفًى، بل يقال نجس. قال تعالى : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } ]التوبة : 28[. فوجب أن لا يكون في أجداده مشرك، فما زال منقولاً من الأصلاب الطّاهرة إلى الأرحام الطّاهرة، وما زال ينتقل نوره من ساجد إلى ساجد كم قال تعالى { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } ]الشعراء : 218 – 219[، فالآية تدلُّ على أنّ جميع آبائه  كانوا مسلمين وحينئذ وجب القطع بأن والد إبراهيم ما كان من الكافرين وإنّما كان ذلك عمّه ). اهـ.
    قال ابن حجر المكّي : الأحاديث مصرّحة لفظًا ومعنى أنَّ آباءه وأمّهاته  إلى آدم مختارون كرام، وأن أمهاته طاهرات، والكافر لا يقال في حقه مختار ولا كريم ولا طاهر بل نجس. اهـ.
    وهكذا طَهَّرَ اللهُ رسولَهُ بالحفظِ في الأصلاب والأرحام وطفلاً وناشئًا وكهلاً حتى قدَّسه بظهور نبوته وشرفه بالقربة، وطيبه بروحه، وجلله ببهائه صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه.
    *********

    إيمان أجداده 
    دلَّت الآثار السّابقة على أن كل أصل من أصوله  من آدم عليه السّلام إلى أبيه عبد الله هو من خير قرنه وأفضله أو خيره وأفضله.
    كما وردت آثار كثيرة أن الأرض من عهد آدم إلى بعثة النبي  وإلى قيام السّاعة لا تخلو من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحّدونه، وبهم تحفظ الأرض، ولولاهم لهلكت ومَنْ عليها، فهذه وتلك تدل على أنَّ أصول الرسول  لم يكن فيهم مشرك وإلاَّ لما صحَّ أن يكون كل أصل منهم من خير أهل قرنه أو خيرهم إذ المشرك لا يكون خيرًا من المسلم بأي حال من الأحوال.
    والآثار الدّالة على أنّ الأرض لم تخلُ من مسلم في كل القرون كثيرة :
    1 - منها : ما رواه عبد الرزّاق في « مصنّفه » بإسناده على شرط الشيخين عن ابن جريج قال : قال ابن المسيب: قال علي بن أبي طالب : ((لم يزل على وجه الدّهر في الأرض سبعة مسلمون فصاعدًا فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها )).
    ومثل هذا لا يقال بالرّأي فله حكم المرفوع.
    2 - ومنها : ما رواه الإمام أحمد في « الزّهد » والخلاَّل من « كرامات الأولياء » بسند صحيح على شرط الشّيخين عن ابن عبّاس قال : ((ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض)) وله حكم الرّفع أيضًا.
    وقوله : ((من بعد نوح)) لأنه من قبله كان الناس كلّهم على الهدى.
    3 - ومنها : ما رواه البزّار في « مسنده » وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في « تفاسيرهم » والحاكم في « المستدرك » وصححه عن ابن عباس في قوله تعالى : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } ]البقرة : 213[. قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيّين.
    وفي « الحاوي » للسّيوطي قال ابن أبي حاتم في « تفسيره » : (( بين النبي  وبين آدم تسعة وأربعون أبًا )).
    4 - وفي « الحاوي » أيضًا : ((إن سام بن نوح مؤمن بالإجماع)) لأنّه كان مع أبيه في السّفينة ولم ينج فيها إلاَّ مؤمن، قال تعالى { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ } ]الصّافّات : 77[.
    ثم ساق السيوطي آثارًا يُعلَم من مجموعها أنَّ أجداد الرّسول  من آدم إلى زمن نمروذ كانوا مؤمنين بيقين، قال : ثم استمر التّوحيد في ولد إبراهيم وإسماعيل.
    قال الشهرستاني في « الملل والنّحل » : (كان دين إبراهيم قائمًا، والتّوحيد في صدر العرب شائعًا، وأوّل من غيره واتّخذ عبادة الأصنام عمرو بن لحي).
    وقال ابن كثير في « تاريخه » : (كانت العرب على دين إبراهيم إلى أن وليَ عمرو بن عامر الخزاعي مكة فأحدث عبادة الأصنام، وشرع للعرب الضلالات من السّوائب وغيرها وزاد في التّلبية ).
    وقال السّهيلي في « الروض الأنف » : (كانت العرب قد جعلت عمرو بن لُحي مُطاعًا لا يبتدع لهم بدعة إلاَّ اتخذوه شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسوهم في الموسم). اهـ.
    فهو أوَّل من غَيَّر دين إبراهيم ونَصَبَ الأوثان وبَحر البحيرة، وسيَّب السّائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي، وأوّل من أدخل في التلبية : (( لبيك لا شريك لك إلاَّ شريكًا هو لك تملكه وما ملك))، وتبعته العرب ومع ذلك بقيت بقايا من دين إبراهيم وظلت خزاعة على الحرم إلى أن انتزع منهم قصي ولاية البيت.
    قال السّيوطي : وهذا يثبت أنَّ آباء النبي  من عهد إبراهيم إلى زمان عمرو المذكور كلّهم مؤمنون حيث لم يدخل التّبديل والتّغيير في شريعة إبراهيم إلاَّ في زمن عمرو بن لحي الخزاعي.
    ثم أخرج السّيوطي روايات عن ابن عبّاس والطبري وابن سعد في «طبقاته»، والسّهيلي في «الروض الأُنف» ووكيع في كتاب «الغرر من الأخبار» يدل مجموعها على بقاء كل من عدنان ومعه مضر وإلياس وكعب بن لؤي وولده مُرَّة، وغيرهم من العرب كربيعة وخزيمة وأسد وتميمًا وضبة وقسًا، على الإيمان.
    ونقل عن الماوردي في «دلائل النّبوّة» وأبي نعيم في «دلائل النّبوّة» أنّ كعب بن لؤي كان يخطب قريشًا يوم العَروبة، وهو يوم الجمعة، فيذكّرهم بمبعث النبي ، ويعلمهم أنّه من ولده، ويأمرهم باتّباعه والإيمان به.
    ويبقى بعد مُرَّةَ من آبائه  : كلاب، وقُصَيّ، وعبد مناف، وهاشم وعبد المطّلب، وعبد الله والده ، وما ذكرناه من دعوات إبراهيم عليه السلام لذريّته من إسماعيل عليه السلام : {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ *... رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } ]إبراهيم : 35، 40 [، { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } ]الزّخرف : 28[.
    يدل على أنَّ من ذريّته من بقي على الإيمان وأولادهم به سلسلة الأجداد والآباء الشريفة الذين خُصُّوا بالاصطفاء، وانتقل إليهم نور النّبوّة واحدًا بعد واحد، فهم أولى بأن يكونوا هم البعض المشار إليهم في دعاء إبراهيم عليه السلام في الآيات السّابقة.
    وقد دل ما سبق من دلائل على إيمانهم وحسبك ما رأوا من دلائل نبوّته التي نقلت عنهم.
    قال أبو الحسن الماوردي في كتابه « أعلام النبوّة » : (( إن الله استخلصَ رسولَهُ  من أطيب المناكح، وحماه من دَنَس الفواحش، ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام منزّهة، وقد قال ابنُ عبّاس في تأويل قوله تعالى : { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } ]الشعراء : 219[ : أي تقلّبك من أصلاب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلك نبيًّا. فكان نور النبوّة ظاهرًا في آبائه، ثم لم يشركه في ولادته من أبويه أخ ولا أخت لانتهاء صفوتهما إليه وقصور نسبهما عليه، ليكون مختصًّا بنسبٍ جعله الله للنبوة غاية، ولتفرده نهاية فيزول عنه أن يشارك فيه، ويماثل فيه، فلذلك مات عنه أبواه في صغره، فأمّا أبوه فمات وهو حمل، وأما أمّه فماتت وهو ابن ست سنين، وإذا خَبِرتَ حال نسبه وعرفت طهارة مولده علمت أنه سلالة آباء كرام، ليس في آبائه مسترذل ولا مغمور مستبدل، بل كلهم سادة قادة، وشرف النّسب وطهارة المولد من شروط النبوّة )). اهـ.
    *********

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 9:00 pm