أهل السنة والجماعة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهل السنة والجماعة

موقع أهل السنة والجماعة ومذاهبهم الفقهية والعقائدية والرد على من خالفهم

  نرحب بكم بمنتدى أهل السنة والجماعة ، نرجو منكم الإنضمام إلى هذا المنتدى المبارك ، هدفنا من هذا المنتدى النصيحة لأنفسنا ولغيرنا ولسائر المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة ، الدين النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم .

    (( تحقيق الآمال فيما ينفع الميت من الأعمال )) (2) لشيخنا العلامة محدث الحرمين / محمد بن علوي المالكي رحمه الله

    avatar
    حجة الحق


    عدد المساهمات : 51
    تاريخ التسجيل : 17/01/2010

    (( تحقيق الآمال فيما ينفع الميت من الأعمال )) (2)  لشيخنا العلامة محدث الحرمين / محمد بن علوي المالكي رحمه الله Empty (( تحقيق الآمال فيما ينفع الميت من الأعمال )) (2) لشيخنا العلامة محدث الحرمين / محمد بن علوي المالكي رحمه الله

    مُساهمة  حجة الحق الإثنين يناير 18, 2010 7:06 am

    القراءة عند القبر ليست بدعة
    من المسائل التي يكثر فيها الجدال والخلاف والنقاش حتى يصل إلى الخصام والمقاطعة مسألة قراءة شيء من القرآن عند القبر، فمنهم من يقول بدعة، ومنهم من يقول حرام، والمسألة لا تقتضي كل هذا الهجوم الفظيع، والإنكار الشنيع، ولنرجع فيها إلى أقوال أئمة السلف، وعلى رأسهم إمام السلفية في عصره الشيخ ابن القيم قال:
    ذكر عن جماعة من السلف أنهم أوصوا أن يقرأ عند قبورهم وقت الدفن، قال عبد الحق الإشبيلي: يروى أن عبد الله بن عمر أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة، وكان الإمام أحمد ينكر ذلك أولاً حيث لم يبلغه فيه أثر ثم رجع عن ذلك.
    قال الحافظ جلال الدين السيوطي: روى البيهقي في الشعب والطبراني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه فاتحة الكتاب)) ولفظ البيهقي: ((فاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة في قبره)). اه‍.

    قلت: وقد استعمل الصحابة هذا الحديث وعملوا به فقد روى الخلال في الجامع، (كتاب القراءة عند القبور) أخبرنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا مبشر الحلبي، حدثني عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، عن أبيه قال: قال أبي: إذا أنا متُّ فضعني في اللحد وقل: باسم الله، وعلى سنة رسول الله. وشن عليّ التراب شنّا، واقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة، فإني سمعت عبد الله بن عمر يقول ذلك، قال عباس الدوري: سألت أحمد بن حنبل، قلت: تحفظ في القراءة شيئاً؟ وفي رواية: تحفظ في القراءة على القبر شيئاً؟ فقال: لا، وسألت يحيى بن معين فحدثني هذا الحديث. قال الخلال: وأخبرني الحسن بن أحمد الوراق، حدثنا علي بن موسى الحداد وكان صدوقاً قال: كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة، قال: كتبت عنه شيئاً؟ قال: نعم، فأخبرني، قال: أخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنه رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك، فقال له أحمد: فارجع وقل للرجل يقرأ.
    وقال الحسن بن الصباح الزعفراني: سألت الشافعي عن القراءة عند القبر فقال: لا بأس بها.

    وذكر الخلال عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرءون عنده القرآن، قال: وأخبرني أبو يحيى الناقد قال: سمعت الحسن بن الجروي يقول: مررت على قبر أخت لي فقرأت عندها تبارك لما يذكر فيها فجاءني رجل فقال: إني رأيت أختك في المنام تقول: جزى الله أبا علي خيراً فقد انتفعت بما قرأ، أخبرني الحسن بن الهيثم قال: سمعت أبا بكر بن الأطروش ابن بنت أبي نصر بن التمار يقول: كان رجل يجيء إلى قبر أمه يوم الجمعة فيقرأ سورة (يس)، فجاء في بعض أيامه فقرأ سورة (يس) ثم قال: اللهم إن كنت قسمت لهذه السورة ثواباً فاجعله في أهل هذه المقابر، فلما كان يوم الجمعة التي تليها جاءت امرأة فقالت: أنت فلان بن فلانة؟ قال: نعم، قالت: إن بنتاً لي ماتت فرأيتها في النوم جالسة على شفير قبرها فقلت: ما أجلسك هاهنا؟ فقالت: إن فلان بن فلانة جاء إلى قبر أمه فقرأ سورة (يس) وجعل ثوابها لأهل المقابر فأصابنا من روح ذلك أو غفر لنا، أو نحو ذلك.
    وفي النسائي وغيره من حديث معقل بن يسار المزني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((اقرءوا (يس) على موتاكم))، وهذا يحتمل أن يراد به قراءتها على المحتضر عند موته مثل قوله: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله))، ويحتمل أن يراد به القراءة عند القبر والأول أظهر لوجوه:
    الأول: أنه نظير قوله: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)).
    الثاني: انتفاع المحتضر بهذه السورة لما فيها من التوحيد، والمعاد، والبشرى بالجنة لأهل التوحيد، وغبطة من مات عليه بقوله: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس:26-27]، فتستبشر الروح بذلك فتحب لقاء الله فيحب الله لقاءها، فإن هذه السورة قلب القرآن ولها خاصية عجيبة في قراءتها عند المحتضر.

    وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي قال: كنا عند شيخنا أبي الوقت عبد الأول، وفي السياق: وكان آخر عهدنا به أنه نظر إلى السماء وضحك وقال: {.. يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} وقضى.
    الثالث: أن هذا عمل الناس وعادتهم قديماً وحديثاً يقرءون (يس) عند المحتضر.
    الرابع: أن الصحابة لو فهموا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اقرءوا (يس) عند موتاكم)) قراءتها عند القبر لما أخلوا به وكان ذلك أمراً معتاداً مشهوراً بينهم.
    الخامس: أن انتفاعه باستماعها وحضور قلبه وذهنه عند قراءتها في آخر عهده بالدنيا هو المقصود، وأما قراءتها عند قبره فإنه لا يثاب على ذلك لأن الثواب إما بالقراءة أو بالاستماع وهو عمل وقد انقطع من الميت. اه‍ من كلام ابن القيم.
    وقد ترجم الحافظ أبو محمد عبد الحق الأشبيلي على هذا فقال: ذكر ما جاء أن الموتى يسألون عن الأحياء ويعرفون أقوالهم وأعمالهم، ثم قال: ذكر أبو عمر بن عبد البر من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما من رجل يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فيسلم عليه إلا عرفه وردَّ عليه السلام))، ويروى هذا من حديث أبي هريرة مرفوعاً قال: ((فإن لم يعرفه وسلم عليه ردَّ عليه السلام)).
    قال: ويروى من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده إلا استأنس به حتى يقوم))، واحتج الحافظ أبو محمد في هذا الباب بما رواه أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام)).

    قال: وقال سليمان بن نعيم: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك ويسلمون عليك أتفقه منهم؟ قال: نعم وأرد عليهم، قال: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعلمهم أن يقولوا إذا دخلوا المقابر: ((السلام عليكم أهل الديار...)) الحديث، قال: وهذا يدل على أن الميت يعرف سلام من يسلم عليه ودعاء من يدعو له.
    قال أبو محمد: ويذكر عن الفضل بن الموفق قال: كنت آتي قبر أبي المرة بعد المرة فأكثر من ذلك فشهدت يوماً جنازة في المقبرة التي دفن فيها فتعجلت لحاجتي ولم آته، فلما كان من الليل رأيته في المنام فقال لي: يا بني لم لا تأتيني؟ فقلت: يا أبتي وإنك لتعلم بي إذا أتيتك؟ فقال: إي والله يا بني لا أزال أطلع عليك حين تطلع من القنطرة، حتى تصل إليّ وتقعد عندي ثم تقوم فلا أزال أنظر إليك حتى تجوز القنطرة، قال ابن أبي الدنيا: حدثني إبراهيم بن بشار الكوفي، قال: حدثني الفضل بن الموفق ...فذكر القصة.
    وصح عن عمرو بن دينار أنه قال: ما من ميت يموت إلا وهو يعلم ما يكون في أهله بعده وإنهم ليغسلونه ويكفنونه وإنه لينظر إليهم، وصح عن مجاهد أنه قال: إن الرجل ليبشر في قبره بصلاح ولده من بعده.
    وقال النووي رحمه الله في شرح المهذب: يستحب لزائر القبور أن يقرأ ما تيسر من القرآن ويدعو لهم عقبها، نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب، وزاد في موضع آخر وإن ختموا القرآن على القبر كان أفضل. اه‍.
    وقال ابن مفلح في الفروع: لا تكره القراءة على القبر وفي المقبرة، نص عليه واختاره أبو بكر، والقاضي، وجماعة، وهو المذهب .. إلى أن قال: وفي شرح مسلم: أن العلماء استحبوا القراءة عند القبر لخبر الجريدة لأنه إذا رجا التخفيف لتسبيحها فالقراءة أولى.

    وقال الشيخ الإمام أبو محمد بن قدامة المقدسي في آخر كتاب الجنائز من مغنيه ما نصه:
    (فصل) ولا بأس بالقراءة عند القبر، وقد روي عن أحمد أنه قال: (إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي، وثلاث مرات (قل هو الله أحد)، ثم قل: اللهم إن فضله لأهل المقابر).
    وهذا الخبر عزاه السيوطي رحمه الله إلى المحب الطبري، وإلى الغزالي في الإحياء، وفي العاقبة لعبد الحق عن أحمد بن حنبل بلفظ: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين و(قل هو الله أحد) واجعلوا ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم.
    قلت: ويؤيده ما حكاه البرهان ابن مفلح في كتابه المبدع عن الإمام أحمد، ونقلناه في الفصل الآتي من النصوص الفقهية في المسألة فانظره.
    قال الحافظ السيوطي في نفس المصدر: وفي فوائد الزنجاني عن أبي هريرة مرفوعاً: ((من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب و(قل هو الله أحد) و(ألهاكم التكاثر)، ثم قال: اللهم إني قد جعلت ...)) الحديث.
    وفي نفس المصدر في فضل (قل هو الله أحد) للسمرقندي عن علي مرفوعاً بلفظ: ((وقرأ (قل هو الله أحد) إحدى عشر مرة ...))الحديث، وفي الإتحاف للزبيدي بعد كلام أحمد بن حنبل قال: كذا أورده عبد الحق في كتابه العاقبة عن أبي بكر أحمد بن محمد المروزي وعزاه أيضاً إلى النسائي والرافعي في تاريخه، والسمرقندي، وذكر الحديث مرفوعاً عن علي.
    وقال الخلال: حدثني أبو علي الحسن بن الهيثم البزاز شيخنا الثقة المأمون قال: رأيت أحمد بن حنبل يصلي خلف ضرير يقرأ على القبور.
    وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من دخل المقابر فقرأ (يس) خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات)).

    وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما (يس) غفر له))، ثم قال:
    (فصل): وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله. أما الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات فلا أعلم فيه خلافاً إذا كانت الواجبات مما تدخلها النيابة، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ}[الحشر:10]، وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد:19]. اه‍.
    قال العلامة الشهاب القرافي في الفرق الثاني والسبعين والمائة ما ملخصه: مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل أن القراءة يحصل ثوابها للميت، وإذا قرئ عند القبر حصل للميت أجر المستمع، والذي يتجه أن يقال ما لا يقع فيه خلاف أنه يحصل لهم بركة القرآن لا ثوابه كما يحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده، والذي ينبغي للإنسان أن لا يهمل هذه المسألة فلعل الحق هو الوصول إلى الموتى، فإن هذه أمور مغيبة عنا وليس فيها اختلاف في حكم شرعي، وإنما هو في أمر واقع، هل هو كذلك أم لا؟ وكذلك التهليل الذي جرت عادة الناس بعمله اليوم ينبغي أن يعمل ويعتمد في ذلك على فضل الله، ويلتمس فضل الله بكل سبب ممكن، ومن الله الجود والإحسان، هذا هو اللائق بالعبد. اه‍.
    نصوص فقهية في المسألة
    قال الإمام شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي في كتابه (الفروع): لا تكره القراءة على القبر وفي المقبرة، نص عليه واختاره أبو بكر القاضي وجماعة، وهو المذهب.
    ثم قال: وصح عن ابن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها. فلهذا رجع أحمد عن الكراهة، وقال الخلال وصاحبه: المذهب رواية واحدة لا يكره.

    وقال الإمام برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح في كتابه المبدع: ولا تكره القراءة على القبر وفي المقبرة في أصح الروايتين هذا المذهب، روى أنس مرفوعاً قال: ((من دخل المقابر فقرأ فيها (يس)، خفف عنهم يومئذ وكان له بقدرهم حسنات)).
    وصح عن ابن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها، ولهذا رجع أحمد عن الكراهة قاله أبو بكر، وأصلها أنه مر على ضرير يقرأ عند قبر، فنهاه عنها، فقال له محمد بن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة، فقال: أخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر أوصى بذلك. فقال أحمد عند ذلك: ارجع، فقل للرجل: يقرأ، فلهذا قال الخلال وصاحبه: المذهب رواية واحدة أنه لا يكره لكن قال السامري: يستحب أن يقرأ عند رأس القبر بفاتحة البقرة وعند رجله بخاتمتها.
    وقال الإمام أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي في كتاب الإنصاف: قوله: (ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين) وهذا المذهب. قاله في الفروع وغيره ونص عليه، قال الشارح: هذا المشهور عن أحمد.
    وقال الخلال وصاحب المذهب: رواية واحدة لا تكره وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي، وجزم به في الوجيز وغيره. وقدمه في الفروع والمغني والشرح وابن تميم والفائق وغيرهم.
    والرواية الثانية: تكره، اختارها عبد الوهاب الوراق، والشيخ تقي الدين.
    قال الشيخ تقي الدين: نقلها جماعة وهي قول جمهور السلف. وعليها قدماء أصحابه. وسمى المروذي. انتهى.

    قلت: قال كثير من الأصحاب: رجع الإمام أحمد عن هذه الرواية: فقد روى جماعة عن الإمام أحمد: أنه مر بضرير يقرأ عند قبر فنهاه. وقال: القراءة عند القبر بدعة، فقال محمد بن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله، ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة، فقال: حدثني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها. وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك، فقال الإمام أحمد: فارجع فقل للرجل يقرأ. فهذا يدل على رجوعه.
    وعنه لا يكره وقت دفنه دون غيره. قال في الفائق: وعنه يسن وقت الدفن، اختارها عبد الوهاب الوراق وشيخنا، وعنه القراءة على القبر بدعة، لأنها ليست من فعله عليه أفضل الصلاة والسلام ولا فعل أصحابه. فعلى القول بأنه لا يكره: فيستحب على الصحيح.
    قال في الفائق: يستحب القراءة على القبر. نص عليه أخيراً.
    قال ابن تميم: لا تكره القراءة على القبر، بل تستحب نص عليه. وقيل: تباح. قال في الرعاية الكبرى: وتباح القراءة على القبر، نص عليه وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين. قال في المغني، والشرح، وشرح ابن رزين: لا بأس بالقراءة عند القبر. وأطلقهما في الفروع.
    قال العلامة الشيخ منصور البهوتي: ولا تكره القراءة على القبر ولا في المقبرة بل تستحب.

    التلقين
    والتلقين للميت هو أيضاً من المسائل التي يكثر فيها الجدال، والأخذ والرد، والذي يصل إلى الخصام والمقاطعة، والأصل في هذا الباب هو حديث أبي أمامة المرفوع الذي رواه الطبراني وعبد العزيز الحنبلي في الشافي بسندهما إلى أبي أمامة قال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعداً، ثم يقول: يا فلان بن فلانة فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تشعرون، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربّا وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا، ما يقعدنا عند من لقن حجته؟ فقال رجل: يا رسول الله، فإن لم يعرف أمه؟ قال: ينسبه إلى أمه حواء، يا فلان بن حواء)).
    قال الحافظ في (التلخيص): وإسناده صالح، وقد رواه الضياء في أحكامه، وفي إسناده سعيد الأزدي بَيَّض له أبو حاتم، وقال الهيثمي بعد أن ساقه: في إسناده جماعة لم أعرفهم. انتهى. وفي إسناده أيضاً عاصم بن عبد الله وهو ضعيف. قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول: يا فلان بن فلانة، قال: ما رأيت أحداً يفعله، إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة، يروى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه، وكان إسماعيل بن عياش يشير إلى حديث أبي أمامة، انتهى.

    وقد استشهد في التلخيص لحديث أبي أمامة بأثر رواه سعيد بن منصور بسنده عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير قالوا: (إذا سوِّي على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان، قل: لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات، يا فلان قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم ينصرف) رواه سعيد في سننه، وبما جاء عن عثمان قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: ((استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل)) رواه أبو داود وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه البزار وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وآله إلا من هذا الوجه.
    قال الشوكاني عن أثر راشد وضمرة وحكيم: ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه.
    (قلت): وقد تكلم الشيخ ظفر العثماني في كتابه القواعد عما سكت عنه الحافظ ابن حجر في كتابه الفتح من الأحاديث الزائدة بأنه صرّح في المقدمة (هدى الساري) بأنه صحيح أو حسن عنده، ثم قال: وكذا سكوت الحافظ عن حديث التلخيص الحبير دليل على صحته أو حسنه، فإن الشوكاني رحمه الله ربما يحتج بسكوته في التلخيص أيضاً كما احتج بسكوته في الفتح يظهر ذلك بمراجعة نيل الأوطار.
    رأي الشيخ ابن تيمية
    جاء في الفتاوي الكبرى للشيخ ابن تيمية:
    وسئل: مفتي الأنام، بقية السلف الكرام، تقي الدين، بقية المجتهدين، أثابه الله، وأحسن إليه، عن تلقين الميت في قبره بعد الفراغ من دفنه، هل صح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن صحابته؟ وهل إذا لم يكن فيه شيء يجوز فعله أم لا؟

    فأجاب: هذا التلقين المذكور قد نقل عن طائفة من الصحابة: أنهم أمروا به. كأبي أمامة الباهلي، وغيره. وروي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكنه مما لا يحكم بصحته ولم يكن كثير من الصحابة يفعل ذلك، فلهذا قال الإمام أحمد وغيره من العلماء: إن هذا التلقين لا بأس به. فرخصوا فيه، ولم يأمروا به، واستحبه طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، وكرهه طائفة من العلماء من أصحاب مالك وغيرهم.
    والذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقوم على قبر الرجل من أصحابه إذا دفن ويقول: ((سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل))، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله))، فتلقين المحتضر سنة مأمور بها.
    وقد ثبت أن المقبور يسأل ويمتحن وأنه يؤمر بالدعاء له فلهذا قيل: إن التلقين ينفعه، فإن الميت يسمع النداء كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إنه ليسمع قرع نعالهم))، وأنه قال: ((ما أنتم بأسمع لما أقول منهم))، وأنه أمرنا بالسلام على الموتى فقال: ((ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله روحه حتى يرد عليه السلام)). والله أعلم.
    وسئل رحمه الله: هل يجب تلقين الميت بعد دفنه أم لا؟ وهل القراءة تصل إلى الميت؟
    فأجاب: تلقينه بعد موته ليس واجباً بالإجماع ولا كان من عمل المسلمين المشهور بينهم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه بل ذلك مأثور عن طائفة من الصحابة كأبي أمامة وواثلة بن الأسقع.
    فمن الأئمة من رخص فيه كالإمام أحمد وقد استحبه طائفة من أصحابه وأصحاب الشافعي، ومن العلماء من يكرهه لاعتقاده أنه بدعة فالأقوال فيه ثلاثة: الاستحباب، والكراهة، والإباحة، وهذا أعدل الأقوال.

    فأما المستحب الذي أمر به وحض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو الدعاء للميت... إلى أن قال: فالقراءة عند الدفن مأثورة في الجملة، وأما بعد ذلك فلم ينقل فيه أثر والله أعلم. اه‍.
    كلام ابن القيم
    قال الشيخ ابن القيم:
    ويدل على هذا أيضاً ما جرى عليه عمل الناس قديماً وإلى الآن من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة وكان عبثاً، وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله فاستحسنه واحتج عليه بالعمل.
    ويروى فيه حديث ضعيف ذكره الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلا بن فلانة -الثانية- فإنه يستوي قاعداً، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فيقول: أرشدنا رحمك الله، ولكنكم لا تسمعون، فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهما ويقول: انطلق بنا، ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته؟ ويكون حجيجه الله دونهما، فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: ينسبه إلى أمه حواء)).
    فهذا الحديث إن لم يثبت فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كافٍ في العمل به، وما أجرى الله سبحانه العادة قط أن أمة طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكمل الأمم عقولاً وأوفرها معارف تطبق على مخاطبة من لا يسمع ولا يعقل وتستحسن ذلك لا ينكره منكر منها، بل سنه الأول للآخر، ويقتدي فيه الآخر بالأول، فلولا أن المخاطب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم، وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه.

    وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضر جنازة رجل فلما دفن قال: ((سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل))، فأخبر أنه يسأل حينئذ وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين.
    وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا ولوا منصرفين. اه‍.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 2:08 am